فصل: الكتاب الأول: الأمور الكلية في علم الطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)




.الكتاب الأول: الأمور الكلية في علم الطب:

يشتمل على أربعة فنون:

.الفن الأول: حد الطب وموضوعاته من الأمور الطبيعية:

.التعليم الأول في موضوعات الطب:

.الفصل الأول في معنى الطب وأقسامه:

أقول: إن الطب علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة ليحفظ الصحة حاصلة ويستردها زائلة.
ولقائل أن يقول: إن الطب ينقسم إلى نظر وعمل وأنتم قد جعلتم كله نظراً إذ قلتم إنه علم.
وحينئذ نجيبه ونقول إنه يقال إن من الصناعات ما هو نظري وعملي ومن الحكمة ما هو نظري وعملي ويقال إن من الطب ما هو نظري وعملي.
ويكون المراد في كل قسمة بلفظ النظري والعملي شيئاً آخر ولا نحتاج الآن إلى بيان اختلاف القسمين فقد حصل لك علم علميّ وعلم عمليّ وإن لم تعمل قط.
وليس لقائل أن يقول إن أحوال بدن الإنسان ثلاث: الصحة والمرض وحالة ثالثة لا صحة ولا مرض وأنت اقتصرت على قسمين فإن هذا القائل لعله إذا فكر لم يجد أحد الأمرين واجباً لا هذا التثليث ولا إخلالنا به.
ثم إنه إن كان هذا التثليث واجباً فإن قولنا: الزوال عن الصحة يتضمن المرض والحالة الثالثة التي جعلوها ليس لها حدّ الصحة إذ الصحة ملكة أو حالة تصدر عنها الأفعال من الموضوع لها سليمة ولا لها مقابل هذا الحد إلا أن يحدوا الصحة كما يشتهون ويشترطون فيه شروطاً ما بهم إليها حاجة.
ثم لا مناقشة مع الأطباء في هذا وما هم ممن يناقشون في مثله ولا تؤدي هذه المناقشة بهم أو بمن يناقشهم إلى فائدة في الطب.
وأما معرفة الحق في ذلك فمما يليق بأصول صناعة أخرى نعني أصول صناعة المنطق فليطلب من هناك.

.الفصل الثاني في أسباب الصحة والمرض:

لما كان الطب ينظر في بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة والعلم بكل شيء إنما يحصل ويتمّ إذا كان له أسباب يعلم أسبابه فيجب أن يعرف في الطب أسباب الصحة والمرض.
والصحة والمرض أسبابهما قد يكونان ظاهرين وقد يكونان خفيين لا ينالان بالحسّ بل بالاستدلال من العوارض فيجب أيضاَ أن تعرف في الطب العوارض التي تعرض في الصحة والمرض.
وقد تبين في العلوم الحقيقية أن العلم بالشيء إنما يحصل من جهة العلم بأسبابه ومبادين إن كانت له إن لم تكن فإنما يتمم من جهة العلم بعوارضه ولوازمه الذاتية.
لكن الأسباب أربعة أصناف: مادية وفاعلية وصورية وتمامية.
والأسباب المادية: هي الأشياء الموضوعة التي فيها تتقوم الصحة والمرض: أما الموضوع الأقرب فعضو أو روح.
وأما الموضوع الأبعد فهي الأخلاط وأبعد منه هو الأركان.
وهذان موضوعان بحسب التركيب وإن كان أيضاً مع الاستحالة وكل ما وضع كذلك فإنه يساق في تركيبه واستحالته إلى وحدة ما وتلك الوحدة في هذا الموضع التي تلحق تلك الكثرة: إما مزاج وإما هيئة.
أما المزاج فبحسب الاستحالة وإما الهيئة فبحسب التركيب.
وأما الأسباب الفاعلية: فهي الأسباب المغيرة أو الحافظة لحالات بدن الإنسان من الأهوية وما يتصل بها والمطاعم والمياه والمشارب وما يتصل بها والاستفراغ والاحتقان والبلدان والمساكن وما يتصل بها والحركات والسكونات البدنية والنفسانية ومنها النوم واليقظة والاستحالة في الأسنان والاختلاف فيها وفي الأجناس والصناعات والعادات والأشياء الواردة على البدن الإنساني مماسة له إما غير مخالفة للطبيعة وإما مخالفة للطبيعة.
وأمّا الأسباب الصورية: فالمزاجات والقوى الحادثة بعدها والتراكيب.
وأما الأسباب التمامية: فالأفعال وفي معرفة الأفعال معرفة القوى لا محالة ومعرفة الأرواح الحاملة للقوى كما سنبين فهذه موضوعات صناعة الطب من جهة أنها باحثة عن بدن الإنسان أنه كيف يصح ويمرض.
وأما من جهة تمام هذا البحث وهو أن تحفظ الصحة وتزيل المرض فيجب أن تكون لها أيضاً موضوعات أخر بحسب أسباب هذين الحالين وآلاتهما وأسباب ذلك التدبير بالمأكول والمشروب واختيار الهواء وتقدير الحركة والسكون والعلاج بالدواء والعلاج باليد وكل ذلك عند الأطباء بحسب ثلاثة أصناف من الأصحاء والمرضى والمتوسطين الذين نذكرهم ونذكر أنهم كيف يعدون متوسطين بين قسمين لا واسطة بينهما في الحقيقة.
وإذ قد فصلنا هذه البيانات فقد اجتمع لنا أن الطب ينظر في الأركان والمزاجات والأخلاط والأعضاء البسيطة والمركبة والأرواح وقواها الطبيعية والحيوانية والنفسانية والأفعال وحالات البدن من الصحة والمرض والتّوسط وأسبابها من المآكل والمشارب والأهوية والمياه والبلدان والمساكن والاستفراغ والاحتقان والصناعات والعادات والحركات البدنية والنفسانية والسكونات والأسنان والأجناس والورادات على البدن من الأمور الغريبة والتدبير بالمطاعم والمشارب واختيار الهواء واختيار الحركات والسكونات والعلاج والأدوية وأعمال اليد لحفظ الصحة وعلاج مرض مرض فبعض هذه الأمور إنما يجب عليه من جهة ما هو طبيب أن يتصوره بالماهية فقط تصوراً علمياً ويصدق بهليته تصديقاً على أنه وضع له مقبول من صاحب العلم الطبيعي وبعضها يلزمه أن يبرهن عليه في صناعته فما كان من هذه كالمبادئ فيلزمه أنه يتقلد هليتها فإن مبادىء العلوم الجزئية مسلمة وتتبرهن وتتبين في علوم أخرى أقدم منها وهكذا حتى ترتقي مبادىء العلوم كلها إلى الحكمة الأولى التي يقال لها علم ما بعد الطبيعة.
وإذا شرع بعض المتطلبين وأخذ يتكلم في إثبات العناصر والمزاج وما يتلو ذلك مما هو موضوع العلم الطبيعي فإنه يغلط من حيث يورد في صناعة الطب ما ليس من صناعة الطب ويغلط من حيث يظن أنه قد يبين شيء ولا يكون قد بينه البتة فالذي يجب أن يتصوّره الطبيب بالماهية ويتقلد ما كان منه غير بين الوجود بالهلية هو هذه الجملة الأركان أنها هل هي وكم هي والمزاجات أنها هل هي وما هي وكم هي والأخلاط أيضاً هل هي وما هي وكم هي والقوى هل هي وكم هي والأرواح هل هي وكم هي وأين هي.
وأن لكل تغير حال وثباته سبباً وأن الأسباب كم هي.
وأما الأعضاء ومنافعها فيجب أن يصادفها بالحس والتشريح.
والذي يجب أن يتصوره ويبرهن عليه الأمراض وأسبابها الجزئية وعلاماتها وأنه كيف يزال المرض وتحفظ الصحة فإنه يلزمه أن يعطي البرهان على ما كان من هذا خفي الوجود بتفصيله وتقديره وتوفيته.
وجالينوس إذ حاول إقامة البرهان على القسم الأول فلا يجب أن يحاول ذلك من جهة أنه طبيب ولكن من جهة أنه يجب أن يكون فيلسوفاً يتكلم في العلم الطبيعي كما أن الفقيه إذا حاول أن يثبت صحة وجوب متابعة الإجماع فليس ذلك له من جهة ما هو فقيه ولكن من جهة ما هو متكلم ولكن الطبيب من جهة ما هو طبيب والفقيه من جهة ما هو فقيه ليس يمكنه أن يبرهن على ذاك بته! وإلا وقع الدور.

.التعليم الثاني في الأركان:

وهو فصل واحد:
الأركان هي أجسام ما بسيطة: هي أجزاء أولية لبلن الإنسان وغيره وهي التي لا يمكن أن تنقسم إلى أجزاء مختلفة بالصورة وهي التي تنقسم المركبات إليها ويحدث بامتزاجها الأنواع المختلفة الصور من الكائنات فليتسلم الطبيب من الطبيعي أنها أربعة لا غير اثنان منها خفيفان واثنان ثقيلان فالخفيفان النار والهواء والثقيلان الماء والأرض والأرض جرم بسيط موضعه الطبيعي هو وسط الكل يكون فيه بالطبع ساكناً ويتحرك إليه بالطبع إن كان مبايناً وذلك ثقله المطلق وهو بارد يابس في طبعه أي طبعه طبع إذا خلي وما يوجبه ولم يغيره سبب من خارج ظهر عنه برد محسوس ويبس.
ووجوده في الكائنات وجد مفيد للاستمساك والثبات وحفظ الأشكال والهيئات.
وأما الماء فهو جرم بسيط موضعه الطبيعي أن يكون شاملاً للأرض مشمولاً للهواء إذا كانا على وضعيهما الطبيعيين وهو ثقله الإضافي.
وهو بارد رطب أي طبعه طبع إذا خلي وما يوجبه ولم يعارضه سبب من خارج ظهر فيه برد محسوس وحالة هي رطوبة وهي كونه في جبلته بحيث يجيب بأدنى سبب إلى أن يتفرق ويتحد ويقبل أي شكل كان ثم لا يحفظه.
ووجوده في الكائنات لتسلس الهيئات التي يراد في أجزائها التشكيل والتخطيط والتعديل فإن الرطب وإن كان سهل الترك للهيئات الشكلية فهو سهل القبول لها كما أن اليابس وإن كان عسر القبول للهيئات الشكلية فهو عسر الترك لها ومهما تخمر اليابس بالرطب استفاد اليابس من الرطب قبولا للتمديد والتشكيل سهلاً واستفاد الرطب من اليابس حفظاً لما حدث فيه من التقويم والتعديل قوياً واجتمع اليابس بالرطب عن تشتته واستمسك الرطب باليابس عن سيلانه.
وأما الهواء فإنه جرم بسيط موضعه الطبيعي فوق الماء وتحت النار وهذا خفته الإضافية وطبعه حار رطب على قياس ما قلنا ووجوده في الكائنات لتتخلخل وتلطف وتخف وتستقل.
وأما النار فهو جرم بسيط موضعه الطبيعي فوق الأجرام العنصرية كلها ومكانه الطبيعي هو السطح المقعر من الفلك الذي ينتهي عنده الكون والفساد وذلك خفته المطلقة وطبعه حار يابس ووجوده في الكائنات لينضج ويلطف ويمتزج ويجري فيها بتنفيذه الجوهر الهوائي وليكسر من محوضة برد العنصرين الثقيلين الباردين فيرجعا عن العنصرية إلى المزاجية.
والثقيلان أعون في كون الأعضاء وفي سكونها.
والخفيفان أعون في كون الأرواح وفي تحرّكها وتحريك الأعضاء وإن كان المحرك الأول هو النفس بإذن باريها فهذه هي.

.التعليم الثالث في الأمزجة:

وهو ثلاثة فصول:

.الفصل الأول: المزاج:

أقول: المزاج: كيفية حاصلة من تفاعل الكيفيات المتضادات إذا وقفت على حد ما.
ووجودها في عناصر متصغرة الأجزاء ليماس أكثر كل واحد منها أكثر الآخر.
إذا تفاعلت بقواها بعضها في بعض حدث عن جملتها كيفية متشابهة في جميعها هي: المزاج والقوى الأولية في الأركان المذكورة أربع هي: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
وبين أن المزاجات في الأجسام الكائنة الفاسدة إنما تكون عنها وذلك بحسب ما توجبه القسمة العقلية بالنظر المطلق غير مضاف إلى شيء على وجهين.
وأحد الوجهين أن يكون المزاج معتدلاً على أن تكون المقادير من الكيفيات المتضادة في الممتزج متساوية متقاومة ويكون المزاج كيفية متوسطة بينها بالتحقيق.
أميل إلى أحد الطرفين إما في إحدى المتضادتين اللتين بين البرودة والحرارة والرطوبة واليبوسة وأما في كليهما.
لكن المعتبر في صناعة الطب بالاعتدال والخروج عن الاعتدال ليس هذا ولا ذلك بل يجب أن يتسلم الطبيب من الطبيعي.
إن المعتدل على هذا المعنى مما لا يجوز أن يوجد أصلاً فضلاً عن أن يكون مزاج إنسان أو عضو إنسان وأن يعلم أن المعتدل الذي يستعمله الأطباء في مباحثهم هو مشتق لا من التعادل الذي هو التوازن بالسوية بل من العدل في القسمة وهو أن يكون قد توفر فيه على الممتزج بدناً كان بتمامه أو عضواً من العناصر بكمياتها وكيفياتها القسط الذي ينبغي له في المزاج الإنساني على أعدل قسمة ونسبة.
لكنه قد يعرض أن تكون هذه القسمة التي تتوفر على الإنسان قريبة جداً من المعتدل الحقيقي الأوَل وهذا الاعتدال المعتبر بحسب أبدان الناس أيضاً الذي هو بالقياس إلى غير مما ليس له ذلك الاعتدال وليس له قرب الإنسان من الاعتدال المذكور في الوجه الأول يعرض له ثمانية أوجه من الاعتبارات.
فإنه إما أن يكون بحسب النوع مقيساً إلى ما يختلف مما هو خارج عنه.
وإما أن يكون بحسب النوع مقيساً إلى ما يختلف مما هو فيه.
وإما أن يكون بحسب صنف من النوع مقيساً إلى ما يختلف مما هو خارج عنه وفي نوعه وإما أن يكون بحسب الشخص من الصنف من النوع مقيساً إلى ما يختلف مما هو خارج عنه وفي صنفه وفي نوعه.
وإما أن يكون بحسب الشخص مقيساً إلى ما يختلف من أحواله في نفسه.
وإما أن يكون بحسب العضو مقيساً إلى ما يختلف مما هو خارج عنه وفي بدنه.
وإما أن يكون بحسب العضو مقيساً إلى أحواله في نفسه.
والقسم الأوّل: هو الاعتدال الذي للإنسان بالقياس إلى سائر الكائنات وهو شيء له عرض وليس منحصر في حد وليس ذلك أيضاً كيف اتفق بل له في الإفراط والتفريط حدان إذا خرج عنهما بطل المزاج عن أَن يكون مزاج إنسان.
وأما الثاني: فهو الواسطة بين طرفي هذا المزاج العريض ويوجد في شخص في غاية الاعتدال من صنف في غاية الاعتدال في السنّ الذي يبلغ فيه النشوّ غاية النموّ وهذا أيضا، وإن لم يكن الاعتدال الحقيقي المذكور في ابتداء الفصل حتى يمتنع وجوده فإنه مما يعسر وجوده وهذا الإنسان أيضاً إنما يقرب من الاعتدال الحقيقي المذكور لا كيف اتفق ولكن تتكافأ أعضاؤه الحارة كالقلب والباردة كالدماغ والرطبة كالكبد واليابسة كالعظام فإذا توازنت وتعادلت قربت من الاعتدال الحقيقي وأما باعتبار كل عضو في نفسه إلا عضواً واحداً وهو الجلد على ما نصفه بعد.
وإما بالقياس إلى الأرواح وإلى الأعضاء الرئيسة فليس يمكن أن يكون مقارباً لذلك الاعتدال الحقيقي بل خارجاً عنه إلى الحرارة والرطوبة.
فإن مبدأ الحياة هو القلب والروح وهما حاران جداً مائلان إلى الإفراط.
والحياة بالحرارة والنشوء بالرطوبة بل الحرارة تقوم بالرطوبة وتغتذي بها.
والأعضاء الرئيسة ثلاثة كما سنبين بعد هذا والبارد منها واحد وهو الدماغ.
وبرده لا يبلغ أن يعدل حر القلب والكبد.
واليابس منها أو القريب من اليبوسة واحد وهو القلب ويبوسته لا تبلغ أن تعدل مزاج رطوبة الدماغ والكبد.
وليس الدماغ أيضاً بذلك البارد ولا القلب أيضاً بذلك اليابس ولكن القلب بالقياس إلى الآخر يابس والدماغ بالقياس إلى الآخرين بارد.
وأما القسم الثالث: فهو أضيق عرضاً من القسم الأول أعني من الاعتدال النوعي إلا أن له عرضاً صالحاً وهو المزاج الصالح لأمةٍ من الأمم بحسب القياس إلى إقليم من الأقاليم وهواء من الأهوية فإن للهند مزاجاً يشمهلم يصحون به.
وللصقالبة مزاجاً آخر يخصون به ويصحون به.
كل واحد منهما معتدل بالقياس إلى صنفه وغير معتدل بالقياس إلى الآخر.
فإن البدن الهندي إذا تكيف بمزاج الصقلابي مرض أو هلك.
وكذلك حال البدن الصقلابي إذا تكيّف بمزاج الهندي.
فيكون إذن لكل واحد من أصناف سكان المعمورة مزاج خاص يوافق هواء إقليمه وأما القسم الرابع: فهو الواسطة بين طرفي عرض مزاج الإقليم وهو أعدل أمزجة ذلك الصنف.
وأما القسم الخامس: فهو أضيق من القسم الأوّل والثالث وهو المزاج الذي يجب أن يكون لشخص معيّن حتى يكون موجوداً حيا صحيحاً وله أيضاً عرض يحدّه طرفا إفراط وتفريط.
ويجب أن تعلم أن كل شخص يستحق مزاجاً يخصّه يندر أو لا يمكن أن يشاركه فيه الآخر.
وأما القسم السادس: فهو الواسطة بين هذين الحدين أيضا، وهو المزاج الذي إذا حصل للشخص كان على أفضل ما ينبغي له أن يكون عليه.
وأما القسم السابع: فهو المزاج الذي يجب أن يكون لنوع كل عضو من الأعضاء يخالف به غيره فإن الاعتدال الذي للعظم هو أن يكون اليابس فيه أكثر وللدماغ أن يكون الرطب فيه أكثر وللقلب أن يكون الحار فيه أكثر وللعصب أن يكون البارد فيه أكثر ولهذا المزاج أيضاً عرض يحده طرفا إفراط وتفريط هو دون العروض المذكورة في الأمزجة المتقدمة.
وأما القسم الثامن: فهو الذي يخصّ كل عضو من الاعتدال حتى يكون العضو على أحسن ما يكون له في مزاجه فهو الواسطة بين هذين الحدّين وهو المزاج الذي إذا حصل للعضو كان على أفضل ما ينبغي له أن يكون عليه.
فإذا اعتبرت الأنواع كان أقربها من الاعتدال الحقيقي هو الإنسان.
وإذا اعتبرت الأصناف فقد صحّ عندنا أنه إذا كان في الموضع الموازي لمعدل النهار عمارة ولم يعرض من الأسباب الأرضية أمر مضاد أعني من الجبال والبحار فيجب أن يكون سكانها أقرب الأصناف من الاعتدال الحقيقي.
وصحّ أن الظن الذيَ يقع أن هناك خروجاَ عن الاعتدال بسبب قرب الشمس ظن فاسد فإن مسامتة الشمس هناك أقل نكاية وتغييرا للهواء من مقاربتها ههنا أو أكثر عرضا مما ههنا وإن لم تَسَامِت ثم سائر أحوالهم فاضلة متشابهة ولا يتضاد عليهم الهواء تضاداً محسوسا بل يشابه مزاجهم دائما.
وكنا قد عملنا في تصحيح هذا الرأي رسالة.
ثم بعد هؤلاء فأعدل الأصناف سكان الإقليم الرابع فإنهم لا محترقون بدوام مسامتة الشمس رؤوسهم حيناً بعد حين بعد تباعدها عنهم كسكان أكثر الثاني والثالث ولا فجون نيون بدوام بعد الشمس عن رؤوسهم كسكان أكثر الخامس وما هو أبعد منه عرضاً وأما في الأشخاص فهو أعدل شخص من أعمل صنف من أعدل نوع.
وأما في الأعضاء فقد ظهر أن الأعضاء الرئيسة ليست شديدة القرب من الاعتدال الحقيقي بل يجب أن تعلم أن اللحم أقرب الأعضاء من ذلك الاعتدال وأقرب منه الجلد فإنه لا يكاد ينفعل عن ماء ممزوج بالتساوي نصفه جمد ونصفه مغلي ويكاد يتعادل فيه تسخين العروق والدم لتبريد العصب وكذلك لا ينفعل عن جسم حسن الخلط من أيبس الأجسام وأسيلها إذا كانا فيه بالسوية وإنما يعرف أنه لا ينفعل منه لأنه لا يحس وإنما كان مثله لما كان لا ينفعل منه لأنه لو كان مخالفاً له لانفعل عنه فإن الأشياء المتفقة العنصر المتضادة الطبائع ينفعل بعضها عن بعض.
وإنما لا ينفعل الشيء عن مشاركة في الكيفية إذا كان مشاركة في الكيفية شبيهة فيها.
وأعدل الجلد جلد اليد وأعدل جلد اليد جلد الكف وأعدله جلد الراحة أعدله ما كان على الأصابع وأعدله ما كان على السبابة وأعدله ما كان على الأنملة منها فلذلك هي وأنامل الأصابع الأخرى تكاد تكون هي الحاكمة بالطمع في مقادير الملموسات.
فإن الحاكم يجب أن يكون متساوي الميل إلى الطرفين جميعا حتى يحس بخروج الطرف عن التوسط والعدل.
ويجب أن تعلم مع ما قد علمت أنا إذا قلنا للدواء أنه معتدل فلسنا نعني بذلك أنه معتدل على الحقيقة فذلك غير ممكن.
ولا أيضاً أنه معتدل بالاعتدال الإنساني في مزاجه وإلا لكان من جوهر الإنسان بعينه.
ولكنا نعني أنه إذا انفعل عن الحار الغريزي في بدن الإنسان فتكيف بكيفية لم تكن تلك الكيفية خارجة عن كيفية الإنسان إلى طرف من طرفي الخروج عن المساواة فلا يؤثر فيه أثراً مائلاً عن الاعتدال وكأنه معتدل بالقياس إلى فعله في بدن الإنسان.
وكذلك إذا قلنا أنه حار أو بارد فلسنا نعني أنه في جوهره بغاية الحرارة أو البرودة ولا أنه في جوهره أحر من بدن الإنسان أو أبرد وإلا لكان المعتدل ما مزاجه مثل مزاج الإنسان.
ولكنا نعني به أنه يحدث منه في بدن الإنسان حرارة أو برودة فوق اللتين له.
ولهذا قد يكون الدواء بارداً بالقياس إلى بدن الإنسان حاراً بالقياس إلى بدن العقرب وحاراً بالقياس إلى بدن الإنسان بارداً بالقياس إلى بدن الحية بل قد يكون لدواء واحد أيضاً حاراً بالقياس إلى بدن زيد فوق كونه حاراً بالقياس إلى بدن عمرو.
ولهذا يؤمر المعالجون بأن لا يقيمون على دواء واحد في تبديل المزاج إذا لم ينجع.
وإذ قد استوفينا القول في المزاج المعتدل فلننتقل إلى غير المعتدل فنقول: إن الأمزجة غير المعتدلة سواء أخذتها بالقياس إلى النوع أو الصنف أو الشخص أو العضو ثمانية بعد الاشتراك في أنها مقابلة للمعتدل.
وتلك الثمانية تحدث على هذا الوجه وهو أن الخارج عن الاعتدال إما أن يكون بسيطاً وإنما يكون خروجه في مضادة واحدة وإما أن يكون مركباً.
وإنما يكون خروجه في المضادتين جميعاً.
والبسيط الخارج في المضادة الواحدة إما في المضادة الفاعلة وذلك على قسمين: لأنه إما أن يكون أحر مما ينبغي لكن ليس أرطب مما ينبغي ولا أيبس مما ينبغي أو يكون أبرد مما ينبغي وليس أيبس مما ينبغي ولا أرطب مما ينبغي وإما أن يكون في المضادة المنفعلة وذلك على قسمين: لأنه إما أن يكون أيبس مما ينبغي وليس أحرّ ولا أبرد مما ينبغي وإما أن يكون أرطب مما ينبغي وليس أحر ولا أبرد مما ينبغي.
لكن هذه الأربعة لا تستقرّ ولا تثبت زماناً له قدر فإن الأحر مما ينبغي يجعل البدن أيبس مما ينبغي والأبرد مما ينبغي يجعل البدن أرطب مما ينبغي بالرطوبة الغريبة والأيبس مما ينبغي سريعاً ما يجعله أبرد مما ينبغي والأرطب مما ينبغي إن كان بإفراط فإنه أسرع من الأيبس في تبريده وإن كان ليس بإفراط فإنه يحفظه مدة أكثر إلا أنه يجعله آخر الأمر أبرد مما ينبغي.
وأنت تفهم من هذا أن الاعتدال أو الصحة أشد مناسبة للحرارة منها للبرودة فهذه هي الأربع المفردة.
وأما المركّبة التي يكون الخروج فيها في المضادتين جميعاً فمثل أن يكون المزاح أحر وأرطب معاً مما ينبغي أو أبرد وأرطب معاً مما ينبغي أو أبرد وأيبس معاً.
ولا يمكن أن يكون أحر وأبرد معاً ولا أرطب وأيبس معاً.
وكل واحد من هذه الأمزجة الثمانية لا يخلو إما أن يكون بلا مادة وهو أن يحدث ذلك المزاج في البدن كيفية وحدها من غير أن يكون قد تكيف البدن به لنفوذ خلط فيه متكيّف به فيتغير البدن إليه مثل حرارة المدقوق وبرودة الخصر المصرود المثلوج وإما أن يكون مع مادة وهو أن يكون البدن إنما تكيف بكيفية ذلك المزاج لمجاورة خلط نافذ فيه غالب عليه تلك الكيفية مثل تبرد الجسم الإنساني بسبب بلغم زجاجي أو تسخنه بسبب صفراء كراثي.
وستجد في الكتاب الثالث والرابع مثالاً لواحد واحد من الأمزجة الستة عشر.
واعلم: أن المزاج مع المادة قد يكون على جهتين وذلك لأن العضو قد يكون تارةً منتفعاً في المادة متبلاً بها وقد تكون تارةً المادة محتبسةً في مجاريه وبطونه فربما كان احتباسها ومداخلتها يحدث توريماً وربما لم يكن.